الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
أسماء الله عز وجل هي: التي سمى بها نفسه أو مساه بها رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقد سبق لنا الكلام فيها في مباحث كثيرة منها: هل أسماء الله مترادفة أو متباينة؟ وقلنا: باعتبار دلالتها على الذات، مترادفة، لأنها تدل على ذات واحدة، وهو الله عز وجل، وباعتبار دلالتها على المعني والصفة التي تحملها متباينة، وإن كان بعضها قد يدل على ما تضمنه الآخر من باب دلالة اللزوم، فمثلًا: (الخلاق) يتضمن الدلالة على العلم المستفاد من اسم العليم، لكنه بالالتزام، وعلى القدرة المستفاد من أسم التقدير، لكن بالالتزام. الثاني: أهل أسماء الله مشتقة أو جامدة (يعني: هل المراد بها الدلالة على الذات فقط، أو على الذات والصفة)؟ الجواب: على الذات والصفة، أما أسماؤنا نحن، فيراد بها الدلالة على الذات فقط، فقد يسمى محمدًا وهو من أشد الناس ذمًا، وقد يسمى عبد الله وهو من أفجر عباد الله. أما أسماء الله عز وجل، وأسماء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأسماء القرآن، وأسماء اليوم الآخر، وما أشبه ذلك، فإنها أسماء متضمنة للأوصاف. الثالث: أسماء الله بعضها معلوم لنا وبعضها غير معلوم بدليل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الصحيح في دعاء الكرب: الرابع: أسماء الله، هل هي محصورة بعدد معين؟ والجواب: غير محصورة، وقد سبق الكلام على ذلك، والجواب عن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الخامس: أن هذه التسعة والتسعين غير معينة، بل موكولة لنا لنبحث حتى نحصل على التسعة والتسعين، وهذا من حكمة إبهامها لأجل البحث حتى نصل إلى هذه الغاية، ولهذا نظائر، منها: أن الله أخفى ليلة القدر، وساعة الإجابة يوم الجمعة، وساعة الإجابة في الليل، ليجتهد الناس في الطب. السادس: معنى إحصاء هذه التسعة والتسعين الذي يترتب عليه دخول الجنة ليس معنى ذلك أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ فقط، ولكن معنى ذلك: أولًا: الإحاطة بها لفظًا. ثانيًا: فهمها معنى. ثالثًا: التعبد لله بمقتضاها، ولذلك وجهان: الوجه الأول: أن تدعو الله بها، لقوله تعالى: الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل الصالح الذي يكون جالبًا لرحمة الله، ومقتضي الغفور المغفرة، إذًا افعل ما يكون سببًا في مغفرة ذنوبك، هذا هو معني إحصائها، فإذا كان كذلك، فهو جدير لأن يكون ثمنًا لدخول الجنة، وهذا الثمن ليس على وجه المقابلة، ولكن على وجه السبب، لأن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة وليست بدلًا، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: فلا تغتر يا أخي بعملك، ولا تعجب فتقول: أنا عملت كذا وكذا وسوف أدخل الجنة، قال تعالى: السابع: أسماء الله عز وجل ودلالتها على الذات والصفة جميعًا دلالة مطابقة، ودلالتها على الذات وحدها أو على الصفة وحدها دلالة تضمن، ودلالتها على أمر خارج التزام. مثال ذلك: (الخلاق) دل على الذات، وهو الرب عز وجل وعلي الصفة وهي الخلق جمعيًا دلالة مطابقة، ودل على الذات وحدها أو على الصفة وحدها دلالة تضمن، ودل على القدرة والعلم دلالة التزام. الثامن: أسماء الله عز وجل لايتم الإيمان بها إلا بثلاثة أمور إذا كان الاسم متعديًا: الإيمان بالاسم اسمًا لله، والإيمان بما تضمنه من صفة وما تضمنه من أثر وحكم فالعليم مثلًا لا يلم الإيمان به حتى نؤمن بأن العليم من أسماء الله، ونؤمن بما تضمنه من صفة العلم، ونؤمن بالحكم المرتب على ذلك، وهو أنه يعلم كل شيء، وإذا كان الاسم غير متعد، فنؤمن بأنه من أسماء الله وبما يتضمنه من صفة. التاسع: أن من أسماء الله ما يختص به، مثل الله، الرحمن، رب العالمين، وما أشبه ذلك، ومنها ما لا يختص به، مثل: الرحيم، السميع العليم، قال تعالى: قوله: (باب احترام أسماء الله). أي وجوب أحترام أسماء الله، لأن احترامها احترام لله عز وجل ومن تعظيم الله عز وجل، فلا يسمى أحد باسم مختص بالله، وأسماء الله تنقسم إلى قسمين: الأول: ما لا يصح إلا الله، فهذا لا يسمى به غيره، وإن سمي وجب تغييره، مثل: الله، الرحمن، رب العالمين، وما أشبه ذلك. الثاني: ما يصح أن يوصف به غير الله، مثل: الرحيم، والسميع والبصير، فإن لوحظت الصفة منع من التسمي به، وإن لم تلاحظ الصفة جاز التسمي به على أنه علم محض. عن أبي شريح، أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: " عن أبي شريح ". هو هانئ بن زيد الكندي، جاء وافدًا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع قومه. وقوله: يكنى أبا الحكم. أي ينادى به. والكنية ما صدر بأب أو أم أو أخ أو عم أو خال وتكون للمدح كما في هذا الحديث، وتكون للذم كأبي جهل، وقد يكون لمصاحبة الشيء مثل: أبي هريرة، وقد تكون لمجرد العلمية كأبي بكر رضي الله عنه، وأبي العباس شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، لأنه ليس له ولد. قوله: "إن الله هو الحكم وإليه الحكم". " وهو الحكم "، أي المستحق أن يكون حاكمًا على عباده، حاكمًا بالفعل، يدل له قوله: " وإليه الحكم ". وقوله: " وإليه الحكم ". الخبر فيه جار ومجرور مقدم، وتقديم الخبر يفيد الحصر، وعلى هذا يكون راجعًا إلى الله وحده. وحكم الله ينقسم إلى قسمين: الأول: كوني، وهذا لا راد له، فلا يستطيع أحد أن يرده، ومنه قوله تعالى: الثاني: شرعي، وينقسم الناس فيه إلى قسمين: مؤمن وكافر، فمن رضيه وحكم به فهو مؤمن، ومن لم يرض به ولم يحكم به فهو كافر، ومنه قوله تعالى: وأما قوله: وفي الحديث دليل على أن من أسمائه تعالى: (الحكم). وأما بالنسبة للعدل، فقد ورد عن بعض الصاحبة أنه قال: " إن الله حكم عدل " ولا أعرف فيه حديثًا مرفوعًا، ولكن قوله تعالى: قوله: " ما حسن هذا ". الإشارة تعود إلى إصلاحه بين قومه لا إلى تسميته بهذا الاسم، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غيَّره. قوله: "شريح ومسلم وعبد الله". الظاهر: أنه ليس له إلا الثلاثة، لأن الولد في اللغة العربية يشمل الذكر والأنثى، فلو كان عنده بنات لعدهن. قوله: " فأنت أبو شريح". غيره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لأمرين: الأول: أن الحكم هو الله، فإذا قيل: يا أبا الحكم ! كأنه قيل: يا أبا الله ! الثاني: إن هذا الاسم الذي جعل كنية لهذا الرجل لوحظ فيه معنى الصفة وهي الحكم، فصار بذلك مطابقًا لاسم الله، وليس لمجرد العلمية المحضة، بل للعلمية المتضمنة للمعنى، وبهذا يكون مشاركًا لله ? سبحانه وتعالى ? في ذلك، ولهذا كناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما ينبغي أن يكنى به. فيه مسائل: الأولى: أحترام أسماء الله وصفاته ولو لم يقصد معناه. الثانية: تغيير الاسم لأجل ذلك. الثالثة. اختيار أكبر الأبناء للكنية. فيه مسائل: * الأولى: أحترام أسماء الله وصفاته ولو لم يقصد معناه. قوله: " ولو لم يقصد معناه " هذا في النفس منه شيء، لأنه إذا لم يقصد معناه، فهو جائز، إلا سمي بما لا يصح إلا الله، مثل: الله، الرحمن ، رب العالمين، وما أشبهه، فهذه لا تطلق إلا على الله مهما كان، وأما ما لا يختص بالله، فإنه يسمى به غير الله إذا لم يلاحظ معنى الصفة، بل كان المقصود مجرد العلمية فقط، لأنه لا يكون مطابقًا لاسم الله، ولذلك كان في الصحابة من اسمه " الحكم " (1) ولم يغيره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لأنه لم يقصد إلا العلمية، وفي الصحابة من اسمه "حكيم" وأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالذي يحترم من أسمائه تعالى ما يختص به، أو ما يقصد به ملاحظة الصفة. * الثانية: تغيير الاسم لأجل ذلك. وقد سبق الكلام عليه. * الثالثة: اختيار أكبر الأبناء للكنية. تؤخذ من سؤال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ولا يؤخذ من الحديث استجاب التكني، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد أن يغير كنيته إلى كنية مباحة ولم يأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكنى ابتداء. * ويستفاد من الحديث ما يلي: 1) أنه ينبغي لأهل الوعظ والإرشاد والنصح إذا أغلقوا بابًا محرمًا أن يبنوا للناس المباح، وقد سبق تقرير ذلك. 2) أن الحكم لله وحدة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وإليه الحكم)، أما الكوني، فلا نزاع فيه إذ لا يعارض الله أحد في أحكامه الكونية. وأما الشرعي، فهو محك الفتنة والامتحان والاختبار، فمن شرع للناس شرعًا سوى شرع الله ورأى أنه أحسن من شرع الله وأنفع للعباد، أو أنه مساو لشرع الله، أو أنه يجوز ترك شرع الله إليه، فإنه كافر لأنه جعل نفسه ندًا لله عز وجل، سواء في العبادات أو المعاملات، والدليل على ذلك قوله تعالى: فإن قيل: قال الله تعالى: قلنا: قال الله تعالى: فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " وإليه الحكم " يدل على أن من جعل الحكم لغير الله، فقد أشرك. * فائدة: يجب على طالب العلم أن يعرف الفرق بين التشريع الذي يجعل نظامًا يمشى عليه ويستبدل به القرآن، وبين أن يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله، فهذا قد يكون كفرًا أو فسقًا أو ظلمًا. فيكون كفرًا إذا اعتقد أنه أحسن من حكم الشرع أو مماثل له. ويكون فسقًا إذا كان لهوى في نفس الحاكم. ويكون ظلمًا إذا أراد مضرة المحكوم عليه، وظهور الظلم في هذه أبين من ظهوره في الثانية، وظهور الفسق في الثانية أبين من ظهوره في الثالثة. 3) تغيير الاسم إلى ما هو أحسن إذا تضمن أمرًا لا ينبغي، كما غير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض الأسماء المباحة، ولا يحتاج ذلك إلى إعادة العقيقة كما يتوهمه بعض العامة.
***
|